أزمة الوجود: حين تبدأ الروح تسأل "من أنا حقًا؟
- Queen Mounia
- 12 نوفمبر
- 3 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: قبل 19 ساعة
بقلم: منية، مرآة الوعي وناقلة النور
في لحظةٍ ما، مهما كان الإنسان قويًا، ناجحًا، محبوبًا أو مستقرًا، يصل إلى نقطةٍ تتزلزل فيها أرضه الداخلية. كل ما كان يظنه يقينًا يبدأ بالتحلل: العمل الذي كان يملأ أيامه يصبح بلا معنى، العلاقات تفقد بريقها، والطموحات التي كانت تدفعه للأمام تتلاشى أمام سؤالٍ واحدٍ ضخم:
لماذا أشعر أن شيئًا ما ينقصني رغم أنني أملك كل شيء؟
تلك اللحظة ليست ضعفًا أو اكتئابًا كما يُشاع إنها بداية أزمة الوجود اللحظة التي تصحو فيها الروح بعد سباتٍ طويل، وتبدأ في البحث عن ذاتها الحقيقية خلف كل الأقنعة التي لبسناها لنكون مقبولين في هذا العالم.
لماذا تحدث؟
منذ الطفولة، نتعلم أن نعيش في الخارج أكثر من الداخل. نُلقَّن أن السعادة تُنال عندما نحصل على عمل جيد، شهادة، زواج، أو مال. لكننا لا نتعلم كيف نسمع أنين أرواحنا، ولا كيف نفهم لماذا جئنا أصلًا إلى هذا الوجود. نُبرمج على الأداء، لا على الحضور.على التوافق مع الآخرين، لا على الانسجام مع الذات. وعندما يمتلئ الكأس أكثر مما يحتمل، يبدأ الفراغ في الظهور.وهنا يبدأ التفكك الهادئ للهوية القديمة لأن الروح لا تحتمل العيش طويلًا في دورٍ لا يشبهها.
السن الأربعين: بوابة الوعي الناضج
ليس مصادفة أن أغلب الناس يمرّون بهذه الأزمة في سن الأربعين. فالإنسان في هذه المرحلة يكون قد جمع تجارب الحياة بما يكفي ليكتشف أنها لم تُشبعه.هي سن اكتمال الدورة المادية الأولى حين يصل الجسد والعقل إلى قمّته، فتبدأ الروح بالمطالبة بدورها. في الأربعين، يبدأ زمن الحكمة:العقل يهدأ، الحماس المراهق يزول، وتُفتح العين الداخلية لتسأل:"من أنا خارج كل الأدوار؟ خارج كوني أمًا، موظفًا، شريكًا، أو ناجحًا؟" لهذا يصف الحكماء سن الأربعين بأنه عودة الروح إلى القيادة بعد أن أمضت العقود السابقة في صمتٍ خلف ضجيج الطموح.
الذين يعيشونها في العشرين: أرواح قديمة تستيقظ مبكرًا
بعض الأرواح تأتي إلى الحياة بوعي متقدم. تحمل في داخلها ذاكرة كونية عميقة، فلا تنخدع طويلاً بألعاب العالم. هؤلاء يبدؤون التساؤل مبكرًا:لماذا أُوجد؟ ما الغاية من كل هذا؟ لماذا أشعر أنني لا أنتمي؟ في العشرين، حين يكون أقرانهم منشغلين بالمستقبل، هم يعيشون انكسارًا داخليًا عميقًا لأن أرواحهم تعرف أن الطريق ليس خارجيًا بل داخليًا. تبدأ أزمة الوجود عندهم على شكل قلق روحي، ملل مزمن، أو إحساس غامض بأن هناك “شيئًا أعظم” لم يكتشفوه بعد.إنهم لا يضيعون، بل يُستدعون للبدء في رحلتهم قبل غيرهم.فما يعيشه غيرهم في الأربعين، يعيشونه هم باكرًا لأن وعيهم مستعد منذ البداية.
الذين يعيشونها بعد الستين: أرواح أنهكتها الأدوار وأرهقها الكتمان
أما الذين لا يلتقون بأزمتهم إلا بعد الستين، فهم عادة أولئك الذين أخّروا اللقاء مع ذواتهم طويلاً.عاشوا كما يجب، لا كما يريدون.بنوا حياة كاملة على ما “يُرضي” الآخرين، حتى ظنّوا أن هذا هو معنى الأمان.لكن حين يهدأ الخارج، حين يترك الأبناء البيت، ويُحال الجسد إلى التقاعد، تبقى النفس عارية أمام نفسها.لا يبقى سوى الصمت، وهناك يظهر السؤال العميق الذي لم يُطرح طيلة العقود الماضية:“هل عشتُ حقًا حياتي، أم عشتُ ما كان يُتوقَّع مني أن أكونه؟” ولأن الروح لا تعترف بالعمر، تبدأ رحلتها في أي وقت تُمنح فيه المساحة.حتى في السبعين أو الثمانين، يمكن لإنسان أن يولد من جديد.فالصحوة لا تقاس بالسن، بل بالاستعداد.
ما الذي يحدث فعلاً أثناء الأزمة؟
تفكك الهوية القديمة: تنكسر الأدوار، وتنهار التصورات التي كانت تمنح الأمان.
انهيار المعنى المؤقت: الأشياء تفقد قيمتها لتُفسح الطريق لمعنى أعمق.
ولادة الذات الأصيلة: تبدأ الروح بالكلام، أولاً همسًا، ثم بصوتٍ واضح.
إعادة الاتصال بالمصدر: يعود الإنسان ليبحث عن الله، لا كفكرة، بل كتجربة.
التحول من السعي إلى الحضور: لم يعد الهدف هو الوصول إلى شيء، بل أن يكون حاضرًا فيما هو عليه الآن.
ما بعد الأزمة: السلام الذي لا يعتمد على شيء
حين تُشفى أزمة الوجود، لا يختفي السؤال "من أنا؟"بل يتحول إلى صلاة صامتة: "أنا كل ما أنا عليه الآن." الإنسان بعد هذه المرحلة لا يعود كما كان. يصبح أبطأ في ردّ الفعل، أعمق في الفهم، أرحم في الحكم. يعيش من الداخل إلى الخارج .يضحك من القلب، لا من المجاملة.ويبدأ يفهم أن كل ألم مرّ به، كان بابًا أوسع نحوذاته. أزمة الوجود ليست لعنة تصيب البعض، بل نعمة تُهدى لمن حان وقت عودتهم إلى أنفسهم.هي صوت الروح حين تقول للعقل:
"لقد جربتَ أن تكون كل شيء حان الوقت لتكون أنت."










تعليقات